Tuesday, May 23, 2017

في الفقه الشافعي - هبه حافظ


الفقه الشافعي :
لم يتجه الشافعي إلي تكوين مذهب فقهي خاص به مستقلاً عن أراء الإمام مالك بن أنس  إلا بعد أن غادر المدينة إلي بغداد عام 184 هـ  ، فقبل ذلك كان يدافع عن مذهب اهل المدينة المعتمد علي الحديث ويبغض مذهب أهل الراي الذي يعتمد عليه فقهاء العراق ، حتي سُمي ناصر الحديث .
وبعد أن مكث في بغداد أمدً غير قصير وقام بمناظرة فقهاء الرأي ، عكف علي إعادة دراسة ما تعلمه علي يد الإمام مالك بعين الناقد والفاحص لا بعين المتعصب المدافع  ، فكان لدافعه عن مالك أثر في أن يري النواقص في فقهه ، وأيضاً أستطاع أن يحدد محاسن وعيوب الأتجاه الفقهي لفقهاء بغداد ، ومكث في دراسة مميزات وعيوب الطرفين حتي خرج لنا بمذهب جديد يعتبر مزج بين مذهب أهل المدينة واهل العراق فخرج حينئذ بفكر جديد وإتجاه جديد . [1]
ثم ذهب إلي مكة ومكث فيها مدة تقارب التسع سنوات وأتخذ له فيها حلقة في المسجد وأبتدأ في نشر مذهبه ، وتعتبر هذه المرحلة من حياة الإمام من اخصب مراحله الفكرية ، ففيها أطلع علي الأراء المختلفة لعلماء جيله ، وجمع من رحلاته اكثر ما عند اهل كل بلد من حديث ، فأصبح بين يديه ثروة من ألاحاديث لم تكن لغيره من قبل ، فوجد أحياناً تعارض بين الأحاديث التي جمعها ، فأخذ يرجع بعضها علي بعض في العمل ، إما من ناحية السند ، وعما من ناحية نسخ بعضها لبعض ، ثم يبني أستنباطه علي أساس الثابت المحكم منها . [2]
ولقد قال الإمام الشافعي : الأصل قرأن وسنة ، فإن لم يكن فقياس عليهما ، وإذا أتصل الحديث عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وصَحّ الإسناد عنه فهو سنة . والإجماع أكثر من الخبر المنفرد ، والحديث علي ظاهره . وإذا أحتمل المعاني فما أشبه منها أو لا ما به ، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها ، وليس المنقطع بشئ ماعدا منقطع ابن المسيب . ولا يقاس أصل علي أصل ، ولا يقال لأصل لِمَّ ولا كيف . إنما يقال للفرع لِمَّ . فإذا صَحّ قياسه علي الأصل صحّ  وقامت به الحجة . [3]
ورجع الشافعي إلي بغداد مرة اخي عام 195 هـ ومكث فيها نحو ثلاث سنوات ، وأخذ في هذه الفترة يستعرض أراء الفقهاء الذين عاصروه وأراء الصحابة والتابعين ويعرضها علي ما وصل إليه من أصول كليه ويرجح بينهما علي مقتضي هذه الأصول [4] وكان من رأيه حجية أقوال الصحابة فيقول : الأصل كتاب الله أو سنة أو إجماع الناس أو قول بعض أصحاب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ  . [5]
ثم أنتقل الشافعي إلي مصر عام 199 هـ وبقي بها نحو أربع سنوات حتي وافته المنيه في أرضها ، وتعتبر هذه المرحلة في حياة الأمام الشافعي هي المرحلة التي تكامل فيها نموه الفكري ونضجت أراؤه ، ورأي في مصر ما لم يره في بلد أخر فأعاد دراسة أراؤه السابقه كلها علي ضوء ما هدته إليها التجربة والسنين فأعاد كتابة كتابة الرساله في الأصول فزاد فيه وحذف منه ، وعدّل أراؤه في الفروع فزاد بجديد لم يقله ، ورجع عن بعض أراؤه القديمة فيها ، فيذكر الرأيان دون يحذف إحداهما ، فكان هذا الطور في حياته بمثابة الوقت الذي قام فيه بالتحقيق والتمحيص في كل أراؤه السابقه . فلقد مات الأمام الشافعي بعد أن ترك تركة كبيرة في الفقه والأستنباط . [6] وكان أكثر تلاميذه ومريديه في مصر من أتباع الأمام مالك بن أنس فبهرهم الشافعي بعلمه وعقله وهديه فهم لم يروا من هم مثله من قبل ، فلزموا مجلسه يستفيدون من علم الكتاب وعلم الحديث ، ويأخذون عنه اللغه والأنساب والشعر والطب ، ثم يتعلمون منه أدب الجدل والمناظرة فرجع أكثرهم عن عصبيتهم السابقة وتعلموا منه الأجتهاد ونبذ التقليد ، فملأ الشافعي طِباق الأرض علماً [7]
كان الأمام الشافعي همه في علم الفقه لا العلوم الكلامية التي كان يبغضها حتي أنه قال فيهم " حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا علي الإبل منكسين ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال : هذا جزاء من الكتاب والسنة وأخذ في الكلام " [8]  وعن الربيع قال أنشدني الشافعي :
لم يفتإ الناسُ حتَّي أحدثَّوا بِدَعَّا        في الدَّين بالرأي تُبعث بها الرُسُلُ
حتي أستَخَفَّ بِحَقَّ اللَّهِ أكثرُهم        وفي الذي حُمَّلوا من حقَّه شُغُلُ  [9]
وفي خلق القران يقول الشافعي : " قال البيهقي : اخبرنا الحاكم : أخبرني الفضل بن أبي نصر العدل : حدثني حمك بن عمرو العدل : حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش ، عن علي بن سهل الرملي  أنه قال : سألت الشافعي عن القرأن فقال : كلام الله غير مخلوق . قلت : فمن قال بالمخلوق فما هو عندك ؟  قال لي : كافر بالله . [10]
وللامام الشافعي مصنفات كثيرة نذكر أهمها وهو كتاب الرساله الذي يعتبر أول كتاب يوضع في أصول الفقه والذي كان بداية وضعه في بغداد والذي كان يسمي بالرسالة القديمة  ، وكتاب الأم الذي صنفها الإمام في مصر . [11] وله في مصر مصنف أخر وهو يعرف بسير الأوزاعي ، وبداية فلقد أخذ كتاب أختلاف الأوزاعي وأبو حنيفة ، وهو كتاب في السير صنفه ابو حنيفة فرد عليه الأوزاعي بما يخالفه فيه ، ثم رد أبو يوسف علي الأوزاعي ، فأخذخ الشافعي ورد علي أبو يوسف رده علي الأوزاعي ونصره  ، وصنف هذا الكتاب في مصر أيضاً . [12]  كتاب أشهب فإنما أخذه ليعرف منه ما شذّ عنه من أقاويل مالك بن أنس وأصحابه فيمكنه الرد عليهم فيما خالفهم فيه . [13]




[1] محمد الزهرة ، الشافعي حياته عصره – أراؤه الفقهيه ، دار الفكر العربي ، ط 2 ، ص  126 .
[2] المرجع السابق ، ص 126 – 127 .
[3] أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، مكتبة الخانجي القاهرة ـ دار الفكر للطباعة والنشر ، 1416 هـ / 1996 م ، ج 9 ، ص 105 .
[4]  الزهرة ، المرجع السابق ، ص 128 .
[5] بن كثير ، مناقب ، ص 173 .
[6] الزهرة ، المرجع السابق ، ص 128 .
[7] محمد بن أدريس الشافعي ، الرسالة ، الناشر مصطفي البابي الحلبي وأولاده مصر ، ط 1 ، 1358 هـ / 1940 م ، ص 7
[8] الرازي ، مناقب ، ص 99 .
[9] محمد بن إدريس الشافعي ، ديوان الشافعي ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ، مكتبة الكليات الأزهرية ، ط 2 ، 1405 هـ / 1985 م ، ص 104 .
[10] ابن كثير ، المناقب ، ص 189 .
[11] الشافعي ، الأم ، ج 1 ، ص 13 .
[12] البيهقي ، مناقب ، ج 1 ، ص 241 .
[13] المصدر السابق ، ص 241 . للمزيد نفس المصدر من ص 246 إلي ص 259 . 

No comments:

Post a Comment

عطايا ومنح الأمراء والخلفاء الأمويين بالأندلس للمغنين بقلم: د. نورهان إبراهيم سلامة

  كان الأمويون شغوفين بالغناء والموسيقى وكان منهم إما من المشاركين فيه أو ممن كانوا يشجعون مثل هذا الفن والمغنين والموسيقيين ، فكانوا يغدقون...