Friday, March 5, 2021

عطايا ومنح الأمراء والخلفاء الأمويين بالأندلس للمغنين بقلم: د. نورهان إبراهيم سلامة


 
كان الأمويون شغوفين بالغناء والموسيقى وكان منهم إما من المشاركين فيه أو ممن كانوا يشجعون مثل هذا الفن والمغنين والموسيقيين ، فكانوا يغدقون عليهم العطايا والأموال والهبات ، منهم سعيد الخير بن الحكم الربضي الذي كان يميل لمجالس الأنس والطرب ، وكانت له ستارة شهيرة بقرطبة. ومنهم المطرف بن الأمير محمد عالمًا بالغناء الذي ضرب على العود ضربًا حسنًا، وبرز من أبناء الخليفة الناصر، ابنه عبدالعزيز الذي كان شاعرًا ومغرمًا بالخمر والغناء.
وكان المغنين من النساء والرجال ونجد من النساء المغنيات الداخلات إلى الأندلس من المشرق فضل المدينة ، كانت تتمتع بكافة الخصال ، تجيد الغناء ، وأصلها لإحدى بنات هارون الرشيد ، نشأت وتعلمت ببغداد ، وأشتريت للأمير عبدالرحمن الداخل مع صاحبتها علم المدينة ، وصواحب غيرها، وإليهن تنسب دار المدنيات بالقصر وكان الداخل يؤثرهن لجودة غنائهن وأدبهن وتضاف إليهن جارية يقال لها قلم ، وهي ثالثة فضل وعلم في مكانتها عند الأمير بالإضافة إلى الجارية العجفاء التي أشتراها عبدالرحمن بن معاوية أيضًا ، وكانت في دار مسلم بن يحي مولى بني زهرة وأراد أبو السائب في شراء جارية ، فخرجت له العجفاء وكانت في هيئة لا يرثى لها ، وقد أورد المقرى في قول الأرقمي لأبي السائب عن وصف العجفاء” ثم أطلعت علينا عجفاء كلفاء ، عليها قرقل هروي أصفر غسيل ، وكأن وركيها في خيط من رسحها ، فقلت لأبي السائب : بأبي أنت ! ما هذه ؟ فقال : اسكت ، فتناولت عودًا فغنت :
بيد الذي شغف الفؤاد بكم تفريج ما ألقي من الهم
فاستيقني أن قد كلفت بكم ثم افعلي ما شئت عن علم
قد كان صرم في الممات لنا فعجلت قبل الموت بالصرم

قال فتحسنت في عيني ” وأختلفوا إليها حتي بعث لشرائها عبد الرحمن بن معاوية.
ومن الرجال رئيس المغنين أبو الحسن على بن نافع ، الملقب برزياب أو بزرآب كما ذكره ابن خلدون من المشرق إلى قرطبة سنة 206 هـ / 281م ، مولى أمير المؤمنين المهدي العباسي ، وأطلق عليه لقب زرياب من أجل سواد لونه مع فصاحة لسانه فشبه بطائر أسود مغرد في بلاده ، وذهب زرياب إلى المغرب ولم يكن اسمه ذو شهرة بها ، وقدم على الأمير عبدالرحمن بن الحكم بعد وفاة والده الحكم ، فكتب إلى عماله على البلاد أن يحسنوا إليه ويوصلوه إلى قرطبة ، وأنزله في أحسن الدور وحمل إليها جميع ما يحتاجه ويذكر المقري ” وخلع عليه ، وبعد ثلاثة أيام استدعاه ، وكتب له في كل شهر بمائتي دينار راتبًا وأن يجري على بنيه الذين قدموا معه وكانوا أربعة : عبد الرحمن ، وجعفر ، وعبيدالله ، ويحي – عشرون دينارًا لكل واحد منهم كل شهر ، وأن يجري على زرياب من المعروف العام ثلاثة آلاف دينار ، منها لكل عيد ألف دينار ولكل مهرجان ونوروز خمسمائة دينار ، وأن يقطع له من الطعام العام ثلاثمائة مدى ثلثاها شعير وثلثها قمح، وأقطعه من الدور والمستغلات بقرطبة وبساتينها ومن الضياع، إضافة إلى ما يقوم بأربعين ألف دينار ” .
وفي رواية المقري نجد أن أول من دخل الأندلس من المغنين علون وزرقون ، في أيام الحكم بن هشام ، وقد نفق عليهم ، ولكن غناؤهما ذهب عندما غلبهم غناء زرياب ، وكان شعراء المشرق يقارنون أنفسهم بزرياب عند المأمون لما حظي من نفقات من أمراء الأندلس ، فنجد علويه يذكر إنه كان عند المأمون وكان يتتغني وذكر بني أمية فغضب منه ، فقال له عليك اللعنة وعلى بني أمية ، فأخذ يعتذر له ، وقال : يا أمير المؤمنين أتلومني أن أذكر موالي بني أمية ، وهذا زرياب مولاك عندهم بالأندلس ، يركب أكثر من مائة مملوك وفي ملكه ثلاثمائة ألف دينار دون الضياع ، وإني عندكم أموت جوعًا …
المصادر والمراجع :
-ابن حزم ، جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط6، دار المعارف، القاهرة، 1982م.
-ابن حيان، المقتبس من أنْباءِ أهلِ الأنْدَلُسِ، حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور محمود علي مكي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1973م.
-ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ضبط المتن ووضع الحواشي خليل شحادة، راجعه د. سهيل زكار، الطبعة الثالثة، دار الفكر ، بيروت، 1996م.
-ابن سعيد ، المغُرب في حلي المغرب، تحقيق د. شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، القاهرة، 1978م.
-المقري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1988م.
– إبراهيم القادري بوتشيش (دكتور)، أثر الإقطاع في تاريخ الأندلس، السياسي من منتصف القرن الثالث الهجري حتى ظهور الخلافة، منشورات عكاظ، الرباط، 1992م.
-سحر السيد عبد العزيز سالم ( دكتور)، معالم التاريخ الإسلامي ، مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، 2010م .
– علي دياب، انتقال العلوم العربية من الشرق إلى الغرب، السجل العلمي لندوة الأندلس قرون من التقلبات والعطاءات، ط1، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، 1996م .
– كمال السيد أبو مصطفي( دكتور)، دراسات أندلسية في التاريخ والحضارة، د.ط، مركز الإسكندرية للكتاب ، الإسكندرية ، 1997م .

*كاتبة ومؤرخة مصرية.

No comments:

Post a Comment

عطايا ومنح الأمراء والخلفاء الأمويين بالأندلس للمغنين بقلم: د. نورهان إبراهيم سلامة

  كان الأمويون شغوفين بالغناء والموسيقى وكان منهم إما من المشاركين فيه أو ممن كانوا يشجعون مثل هذا الفن والمغنين والموسيقيين ، فكانوا يغدقون...