السلطة والنفوذ ، من متع الحياة الدنيا التي يبيع المرء
من أجلها كل غالي ونفيس حتي يصل إليها .
بسبب الرغبة في السلطة قد يُقدم أي شخص علي أن يرتكب
جرائم ليصل إليها ، وليس مجرد جرائم عادية
مثل قتل منافسك علي السلطة مثلاً ، لكنها وصلت إلي أن يقتل الأب أبنه ، ويقتل
الأبن أبيه ، ويقتل الأخ أخيه ، كل هذا رغبة في السلطة أو كما أسميه " سحر
الكرسي " الرغبة في أن تأمر فتُطاع ، الرغبة في أن تستطيع التحكم في مصائر
الناس ، وتريد هذا لنفسك فقط لا أن يكون في نطاق عائلتك ، وتبرر جرائم ضد الطبيعة
البشريه .
فنري مثلاً في الدولة العباسية وُلي الخليفة المتوكل
العباسي ولاية العهد لأبنيه محمداً وسماه بالمنتصر ، وأبا عبد الله بن قبيحة وسماه
بالمعتز ، وإبراهيم وسماه المؤيد . ولكن المتوكل رأي أن يقدم إبنه المعتز علي
أخويه المنتصر والمؤيد لحبه لقبيحة أم المعتز ، ويظهر أن ذلك كان راجعاً إلي ما
حاكه رجال بلاطه من دسائس لإقصاء المؤيد والمنتصر . ولما علم المنتصر بهذا غضب
وقام بتدبير مؤامرة لقتله مع الأتراك ولكنه نجا منها وعرف بما دُبر له عن طريق
وزيره الفتح بن خاقان ، إلا أنه قُتل علي أيدي الأتراك وأستقرت الخلافة لإبنه
المنتصر .
وفي الدولة الأموية في الأندلس قتل الخليفة عبد الرحمن
الناصر ابنه عبد الله علي الرغم عن ما عُرف عنه من التقي والورع ، لوصول أخبار إلي
الخليفة الناصر أن عبد الله يدبر لأغتياله بسبب أنه أعطي ولاية العهد لإبنه الحكم
علي حساب عبد الله الأكبر منه ، فقبض عليه وسجنه وتم تنفيذ الأعدام فيه في صبيحة
عيد الأضحي .
عهد هارون الرشيد ولاية العهد إلي أبنه الأمين ، ثم
المأمون ، ثم المؤتمن وكتب صحيفة بذلك عُلقت في الكعبة ، ثم مات عام 193 هـ ، وهو
ابن أربع وأربعين سنة . فولي الأمين ولاية العهد نزولاً علي رغبة زوجته زبيده
والهاشميين وذلك لأن الأمين كان عربياً خالصاً عكس المأمون الذي كانت أمه فارسية
رغم أن المأمون كان يكبر الأمين في السن ، فعَهد الرشيد للمأمون بخراسان واعمالها
تحت سيطرته ، وللمؤتمن الجزيرة العربيه ، بعد أستقرار الحكم للأمين أراد أن يخلع
المأمون من ولاية العهد بإيعاز من وزيره الفضل بن الربيع وتولية إبنه موسي ، وعزل
المؤتمن من ولاية شبة الجزيرة وأقره علي قنسرين والعواصم ، ثم خلعه منها وأستقدمه
إلي بغداد ، ثم أوفد الأمين إلي خراسان وفداً لأخذ البيعة إلي ابنه موسي بن الأمين
في ولاية العهد وتقديمه علي المأمون ، ولكن فشل سعيهم ، ولكن بإيعاز من الفضل بن
الربيع تمت البيعة إلي موسي بن الأمين والدعاء له علي المنابر دون المأمون
والمؤتمن . ثم حدثت المواجهه العسكرية بين جيش الأمين وجيش المأمون أنتهت بمقتل
الأمين وتولي المأمون خلافة الدولة العباسية .
يوجد نماذج أخري تحتاج إلي بحث كامل لسردها ، وما قمت به
هنا إلا الإشارة لما قد يفعله المرء إن أحب أن يصل إلي الكرسي ، فلن يقف أمامه أي
وازع أخلاقي ولا رابطة دم . وعموماً فمن قراءتي للتاريخ فإني لدي يقين أن السياسة
والأخلاق لا تجتمعان في شخص واحد ، لكن هناك سياسي ناجح يستطيع أن يسيّر أمور
الدولة ويجعل لها هيبة وإحترام بين الدول ،
وهناك سياسي ينحدر ببلده إلي أسفل سافلين فيقودها إلي الهلاك .