Monday, May 29, 2017

إزدراء الأديان تهمة من لا تهمة له - هبه حافظ

إزدراء الأديان والزندقة تهمة من لا تهمة له ..
 إزدراء الأديان  أو الزندقة أعلم أن المعني مختلف ولكنني بصدد التعرض لأسباب وملابسات ما بعد رمي هذه التهمة ،الزندقة كانت تطلق علي من يؤمن بالديانه المانوية ويعتقد في عبادة النور والظلام ، ثم تطورت وأصبحت تهمة تلاحق كل مختلف فكرياً عن كل ما هو سائد في المجتمع ، فرُمي بها علماء أتوا بعلم لم يستطع مغلقو العقول علي فهمهم  فحاربوهم ورموهم بها ، أو أستخدمت كتهمة للتنكيل بالمتخاصمين سياسياً أو علمياً .
فنذكر منها في تاريخنا الأسلامي الحافل برمي هذه التهم الطبيب والفيلسوف ابو الوليد بن رشد  . كان ابن رشد قربه من ولاة الامر سبب في جعله مثاراَ لحسد اقرانه , فقد سعي به هؤلاء عند الخليفة المنصورالموحدي  واخذوا بعض تلاخيصه التي كتبها شارحا بعض رموز الفلسفه القديمة , واخذوا بعض اوراقه تأولوها خروجا عن ما عرف من الدين , ورفعوا هذه الاوراق الي الخليفه بعد ان اتي الي قرطبه بعد معركة الارك , فأمر بعقد جلسه حضرها الرؤساء والاعيان وأُتي بابن رشد واعطاه الخليفه المنصور الاوراق وقال له : أخطك هذا , فأنكر ابن رشد فقال الخليفه :لعن الله كاتب هذا الخط وأمر بلعنه , وليس الاشتغال بالفلسفه هو كل ما أتُهم به ابن رشد بل أتُهم بأنه كذب صريح القرأن الكريم وأتهم بالزندقه والخروج من الدين .
ولقد كان هناك عداء واضح بين فقهاء المالكيه  في الأندلس وخاصة يحيي بن يحيي الليثي وعبد الملك بن حبيب وبين الشاعر والفيلسوف والمنجم يحيي الغزال ، حيث أنه كان كثير التعرض لهم في أشعاره ،والأستخفاف بهم ، والطعن عليهم في أشعاره ومرسل كلامه ، فأستغلوا ميوله الفلسفيه وأتهموه بعدم الإيمان بالله والطعن في الذات الألهيه والزندقة  ، وسعوا به عند القضاه ، وكانت سوف تنفذ عقوبة شديدة بحقه ، ولكن هناك من تشفع له عند القاضي ، فأستغل هنا الفقهاء مكانتهم في الدولة للتنكيل بيحيي الغزال .
وكان فقهاء المالكيه ذو نفوذ كبير خاصة في عهد الامير علي بن يوسف بن تاشفين أمير المرابطين فقاموا بالأيعاز لامير المؤمنين علي بن يوسف لحرق كتاب احياء علوم الدين للامام الغزالي لما يتضمنه من مسائل فلسفيه وكلاميه وكره المالكيه لهذه العلوم فطلبوا من الامير حرق هذا الكتاب لما يحمله من افكار . وكان هذا السبب الظاهري , فلقد كانت هناك اسباب خفيه تتعلق بهؤلاء العلماء الذين طالبو بالحرق , فلقد كان هذا الكتاب ينتقد وبشده علاقه الائمة والفقهاء بالسلطة واستخدامهم الدين وسيله لتحقيق ألاطماع الدنيويه كالثراء والجاه , فلقد وصفهم الامام الغزالي بعلماء السوء الذين يطلبون الدنيا بعلمهم فأقل درجات العالم ان يعي حقارة الدنيا وعظم الاخرة ودوامها , والبعد عن الترف والتشبه بالسلف الصالح .
ولقد تعرض لهذه التهمة أيضاً الشيخ محي الدين الطائي الحاتمي الشهير بابن عربي شيخ المتصوفة فبعد أن جاء ابن عربي الي مصر عام 603 هـ , وعاش في القاهرة مع جماعة من الصوفيه , وذاع صيتهم في مصر ووصل الي مجموعه من الفقهاء الغيوريين علي السنه واتهمه هؤلاء الفقهاء بالمروق عن الدين والزندقة , واتهمهم بن عربي بالجهل وسوء الاخلاق , فسعوا به الي الملك العادل لإراقه دمه , فتشفع له الشيخ ابي الحسن البجائي وفسر له مذهب بن عربي في الوحدة والوجود تفسيرا مبسطا فأمر بإطلاق سراحه .

إذا توقفنا هنا قليلاً ناظرين للنماذج المختلفة نستنبط شئ شديد الخطورة ، وهو كما تري في النماذج السابقة تدخل رجال الدين في السياسة ومحاولة تكميم كل فكر جديد ، أو عدم التعرض لمكانتهم في الدولة ومحاربة كل من يقوم بذلك بشتي الطرق المستقيمة كانت أو الملتوية .     محاولة كل عالم دين المحافظة علي الكهنوت الخاص به وعدم التطاول عليه من العامة معتقداً أنه الوسيط بين العامة والله سبحانه وتعالي وبدونه لن يستطيع الإنسان أن يفهم دينه . 
أما في الشرق حيث مجد الدولة العباسية فكانت هذه التهمة تطلق علي كل من يتشبه بالفرس في حياتهم ومعتقاداتهم الدينية ، فبعد أن قامت الدولة العباسية علي أكتاف الفرس ولولا مساعدتهم لما قامت ، وبعد أن تخلص الخليفة أبو جعفر المنصور من أبو سلمة الخلال وأبو مسلم الخراساني وهما كانت لهم شعبية جارفة لدي الفرس ظهرت حركات دينية عديدة تطالب بالقصاص لدم أبو مسلم الخراساني ، وظلت هذه الحركات في خراسان طوال عهد الخليفة أبو جعفر المنصور ، وظلت في عهد أبنه الخليفة المهدي العباسي حتي قام بعمل ديوان أسماه ديوان الزندقة ، كانت تطارد كل من يعتقد في الديانة الزرادشتية . وأستغل بعض كبار الدولة تشدد المهدي في التنكيل بالزنادقة بالتخلص من بعض الخصوم السياسيين فلقد وشي الربيع ابن يونس  ـ حاجب الخليفة المهدي ـ الي الخليفة عن عبد الله بن ابي عبيد الله وذلك لمنافسته ووالده , وأشار علي الخليفه ان يقتل ابي عبيد الله ابنه فخارت قواه وهنا تدخل العباس بن محمد وطلب ان يتولي غير ابي عبيد الله هذه المهمة الذي بدوره عنف ولده قائلا "ما بهذا أدبتك ، وقد علمتك كتاب الله عز وجل " فأمرالخليفه حارسه عبد الله بن ابي العباس الطوسي ان يقتل عبد الله ابن ابي عبيد الله ,وعندما هَمّ بقتله عرض التوبه علي الخليفة ولكنه رفض طلبه وتم قتله . ومن اشهر من اتهموا بالزندقة هو الكاتب عبد الله بن المقفع الذي ترجم العديد من امهات الكتب الفارسيه الي العربيه مثل كليلة ودمنه ، والذي قال فيه الخليفة المهدي إنه لم يري مطلقاً كتاب زندقة إلا ويرجع إلي بن المقفع ، فأُتهم أنه زنديق مُفسد للناس . فقُتل ابن المقفع ومُثّل بجثته .
ولم ينجو من هذه التهمة علماء الحضارة الإسلامية فأتهموا بالزندقة أمثال جابر بن حيان ، وبن سينا ، وبن الهيثم ، والفارابي ، وأبو بكر الرازي . وأمتدت أيضاً للشعراء أمثال أبو العلاء المعري وكل من أشتغل بالفلسفة كانت تصاحبه تهمة الزندقة من الأسلامين الأصولين ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أمتد إلي المتصوفة والمعتزلة وأصحاب المذاهب الكلامية .
ومع أمتداد هذا الخط المتطرف نصل إلي محاولة أغتيال نجيب محفوظ في عصرنا الحديث ، وأغتيال فرج فودة علي أيدي أسلامين متشددين .

كتب التراث الإسلامي بها الكثير من تكفير هؤلاء العلماء وإهدار دمائهم ، وأعتبارهم خارجين عن الدين ، ومن رأيي أن هذا ناتج عن عجز لديهم في الرد علي أصحاب الأراء المخالفه فالأسهل هو رميهم بالكفر والإلحاد . فإذا أستطاعوا الرد ودحر مذهبهم لما أضطروا إلي اللجوء إلي العنف ، فالفكر يرد بالفكر ، القلم يواجهه قلم ، فكما كتب الأمام الغزالي صاحب الإحياء كتاب " تهافت الفلاسفة " فقام بن رشد بالرد عليه بكتاب " تهافت التهافت " أري من وجة نظري أن هذه الطريقة المثلي للتعامل مع المختلفين فكرياً وهو الرد دون تجريح شخصي وداخل الإطار الموضوعي للنقد . 

No comments:

Post a Comment

عطايا ومنح الأمراء والخلفاء الأمويين بالأندلس للمغنين بقلم: د. نورهان إبراهيم سلامة

  كان الأمويون شغوفين بالغناء والموسيقى وكان منهم إما من المشاركين فيه أو ممن كانوا يشجعون مثل هذا الفن والمغنين والموسيقيين ، فكانوا يغدقون...